من لمعمودٍ بوادي الأجرعِ
جمرةُ الشوق له في الأضلعِ
وهْي لا تُطفا له بالأدمع
كان ملسوعًا وَقد لم يُلسع
كاد أن يهلكه في الفزع
وهَنَ العظم له والجسدُ
ذاب إذ نار الهوى تتّقدُ
جمرةُ الشوق له لا تخمدُ
ودموعٌ عينُه لا تجمد
وحوى الشوق الذي لم يُجمَعِ
شفّه هجرُ رشًا من شانِهِ
صرعةُ الأُسْدِ وفي أجفانِهِ
غَنَجٌ والمسك من أردانهِ
وحياة الصبّ من إحسانه
وبصَرم العاشقين مُزمع
إن تبدّى خلْتَه بدرَ السَّما
إذ تثنّى رمْتَهُ غصنَ النقا
لحظةً تحسبه ريمَ الفلا
بالـمُـحيَّا وردُ نعمانٍ يُرَى
طَلِقَ الوجه كروضٍ مُمْرِع
فيضلُّ الخَلْق من سُود الجعودِ
مرةً يهدي ومن بيض الخدودِ
جِيده من جِيد آرامِِ زَرودِ
خدّه من قلبنا ذات الوقودِ
جرحتْ ألحاظُه كالمبضعِ
بابليُّ اللحظ ممشوقُ القوامْ
من لـماهُ الألعس يُشفَى سَقَام
وصْفُهُ إن كان للصبّ حرامْ
فله حلَّتْ دماء المستهامْ
مستهلاّت بكلّ البلقعِ
يا رعى الله زمانًا قد مضى
نلتُ آمالي بسَلْعٍ والغضا
ليَ في تذكاره نارُ الغضا
ومضُها في القلب ما دام أضا
وذكت نيرانها في أضلعي
يا حمامًا كان رهوًا يستظلْ
تحت أغصان النقا غيرَ وجِلْ
أنت تبكين ودمعي يستهلْ
أنت تبغين دمائي تُستحَلْ
فبأكناف النقا أنتِ اسجعي
ليَ خشفٌ وَلِهٌ في الاكتحالْ
من سواد العين والقلب يُقالْ
من فتيت المسك في خدّيه خالْ
لحسامٍ جفنه ليس انفلالْ
وهو من غير الحشا لم يقطعِ
في هواه شفّني ذاك الفراقْ
ولنا البعدُ معًا مُرُّ المذاقْ
كم لنا كانت عشيّات الوثاقْ
في اتفاقٍ واعتناقٍ واعتلاقْ
كنتُ في وادي قُبَا أو لعلعِ
زرْ مُعنّىً جسمه رهن العذابْ
وعَذابي لك لِمْ صار عِذابْ
إن هذا في الورى شيءٌ عُجابْ
بالنوى تسكب عيني كالسحابْ
فمحت أطلالنا بالدُّفَّعِ
كنتُ في الليل معنّىً مستهامْ
فحبيبي زارني بدرُ التمامْ
ضُرِبتْ في القلب بالوصل الخيامْ
وإذا ما زاد وجدي وغرامْ
فلورقاء الهنا قلتُ اسجعي
أيُّها الساقي أدِرْ خمرَ اللمى
وتذكَّرْ عيش جرعاء الحمى
فاسقِنيها أَطْفِ مني ضَرَما
حَبّذا ثغرُ الوصال ابتسما
فقرورٌ لعيونٍ هُمَّعِ
لا هنيئًا للذي مصَّ الشرابْ
من سوى فِيك وذياك الرُّضابْ
في سوى ريقك في الحشر عَذابْ
ولنا من ثغرك الخمر عِذابْ
غُلَّتي في غيره لم تُنقَعِ
فصَبوحي من لماك الألعسِ
وغَبوقي منذ وقت الغلسِ
ريقُك الخمر وإني مُحتسي
فاسقني بالقُبَل لا الأكؤسِ
لست محتاجًا بكأسٍ مترعِ
كيف لا نطرب في ميلاد مَنْ
طربًا يزهو به طولَ الزمنْ
وغدا الكون به غالي الثمنْ
وشدت وُرق التهاني في الدِّمنْ
غيرُ ألحانِ الهنا لم يُسمعِ