بدر شاكر السياب

1384-1344هـ 1964-1925م

سيرة الشاعر:

بدر بن شاكر بن عبدالجبار بن مرزوق السياب.
ولد في قرية جيكور (قضاء أبي الخصيب - محافظة البصرة - جنوبي العراق) وتوفي في الكويت.
تلقى تعليمه الابتدائي في أبي الخصيب، والمتوسط والإعدادي في البصرة، ثم تخرج في دار المعلمين العالية، ببغداد (1948) من قسم اللغة الإنجليزية. وكان قد فصل عاماً دراسياً لأسباب سياسية.
عمل معلماً للغة الإنجليزية في مدينة الرمادي مدة قصيرة، ثم فصل من عمله. فانتقل إلى العمل في شركة نفط البصرة.
سافر إلى إيران، واتصل بحزب «توده» الشيوعي، فأدى إلى زعزعة ثقته في الماركسية، فعاد إلى العراق وإلى وظائف الحكومة، كما أسهم في تحرير جريدة «الشعب».
فُصل من وظيفته إثر ثورة الشواف في الموصل (1959) وقد تكرر إلحاقه بوظائف وفصله منها، فغادر بغداد إلى البصرة، وهناك ظهر عليه المرض، فتنقل بين بيروت ولندن وباريس للعلاج، ثم عاد إلى البصرة، ونقل إلى المستشفى الأميري بالكويت، وفيه كانت النهاية.
كان رحيله فاجعة قومية للشعراء العرب، ولحركة التجديد خاصة، وقد كتب في أيامه الأخيرة أوجع وأفجع قصائده.
يُعدّ السياب في رأي كثير من الباحثين السابق إلى قصيدة التفعيلة، والأكثر وفاء لشروطها الفنية.
تنسب إليه علاقات بمجلة «حوار» اللبنانية، ومؤازرة (شعرية) لحكم عبدالكريم قاسم، ولعل حاجته إلى مواجهة المرض كانت الدافع الضاغط وراء هذا.

الإنتاج الشعري:
- نشر للسياب ستة عشر ديواناً، سبع منها بعد رحيله، وهذا يشف عن غزارة عطائه، ويدل على انتشاره وأصالة دوره في تشكيل القصيدة الحديثة: «أزهار ذابلة»: مطبعة الكرنك بالفجالة- القاهرة 1947، و «أساطير» - مطبعة الغري الحديثة- النجف، العراق 1950 ، و«فجر السلام» (قصيدة طويلة)- بغداد 1950، و«حفار القبور» (قصيدة طويلة) - مطبعة الزهراء - بغداد 1952، و«المومس العمياء» (قصيدة طويلة) مطبعة دار المعرفة- بغداد 1954، و«الأسلحة والأطفال» (قصيدة طويلة) مطبعة الرابطة- بغداد 1954 ، «وأنشودة المطر» - دار مجلة شعر- بيروت 1960، و«المعبد الغريق» - دار العلم للملايين - بيروت 1962 ، و«منزل الأقنان» - دار العلم للملايين - بيروت 1963، و«شناشيل ابنة الجلبي» - دار الطليعة للطباعة والنشر - بيروت 1965 ، و«إقبال» - منشورات دار الطليعة - بيروت 1965 ، و«قيثارة الريح» - مطبوعات وزارة الإعلام - بغداد 1971، و«أعاصير» - مطبوعات وزارة الإعلام - بغداد 1972، و«الهدايا» - دار العودة - بيروت 1974، و«البواكير» (يضم قصائد كتبها السياب في بداياته 1941- 1944) دار العودة - بيروت 1974 ، و«27 قصيدة للسياب بخط يده» - ديوان جمعه ووثقه محمد صالح عبدالرضا، مطابع دار الحكمة- البصرة. وقد نشرت بعض دور النشر مختارات من أكثر من ديوان، تحمل عناوين مركّبة تدل على مصادر قصائدها.

الأعمال الأخرى:
- أولاً: له آثار نثرية جمعها مريدوه: رسائل السياب (جمعها ونسقها ماجد السامرائي)- دار الطليعة - بيروت 1975، وكتاب السياب النثري (جمع وإعداد وتقديم حسن الغرفي) منشورات مجلة الجواهر- فاس 1986، وثانياً: مترجماته: الجواد الأدهم: والتر فارلي- مؤسسة فرانكلين - بغداد 1961، ومولد الحرية الجديد: فرجينيا إيفرست- مكتبة الحياة - بيروت 1961، وعيون إلزا: أراجون- مطبعة دار السلام - بغداد 1964، وقصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث: بغداد (د.ت).
رائد شعر الحداثة الأوّل (مع صاحبيه نازك والبياتي) أصَّـل للقصيدة الحديثة ذات التفعيلة وسما في معارجها وفتح أمامها الآفاق لتتسع وتنتشر بمستوياتها الإبداعية المختلفة مستغلاً طاقة الرمز والأسطورة والتناص تاركًا بصمة فنية وريادية خاصة في كل الأجيال اللاحقة من بعده.

مصادر الدراسة: (بعض ما ألف عن السياب):
1 - إحسان عباس: بدر شاكر السياب، دراسة في حياته وشعره- دار الثقافة - بيروت 1969 .
2 - حسن توفيق: شعر بدر شاكر السياب دراسة فنية وفكرية- المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 1979 .
3 - خالص عزمي: صفحات مطوية من أدب السياب - وزارة الإعلام - بغداد 1971.
4 - سيمون جارجي: بدر شاكر السياب الرجل والشاعر- منشورات أضواء - بيروت 1966 .
5 - عبدالجبار داود البصري: بدر شاكر السياب رائد الشعر الحر- دار الجمهورية - بغداد 1966 .
6 - عبدالجبار عباس: السياب - دار الحرية للطباعة، مديرية الثقافة العامة - بغداد 1972 .
7 - علي عبدالمعطي البطل: الرمز الأسطوري في شعر بدر شاكر السياب- شركة الربيعان للنشر والتوزيع- الكويت 1982 .
8 - عيسى بلاطة: بدر شاكر السياب: حياته وشعره - دار النهار - بيروت 1971 .
9 - محمد التونجي: بدر شاكر السياب والمذاهب الشعرية المعاصرة- دار الأنوار - بيروت 1968 .
10- محمود العبطة: بدر شاكر السياب والحركة الشعرية الجديدة في العراق - مطبعة المعارف - بغداد 1965 .
: أضواء على شعر وحياة بدر شاكرالسياب - مطبعة دار السلام - بغداد 1970 .
11- مدني صالح: هذا هو السياب- وزارة الثقافة والإعلام - بغداد 1981 .

سفر أيوب

لكَ الحمدُ مهما استطال البلاءْ
ومهما استبدَّ الألمْ،
لكَ الحمدُ، إن الرزايا عطاءْ
وإن المصيباتِ بعضُ الكرمْ
ألم تُعطني أنتَ هذا الظلامْ
وأعطيتني أنتَ هذا السحرْ؟
فهل تشكر الأرضُ قطرَ المطرْ
وتغضب إن لم يُجدها الغمامْ؟
شهورٌ طوالٌ وهذي الجراحْ
تُمزّق جنبيَّ مثلَ الـمُدى
ولا يهدأ الداءُ عند الصباحْ
ولا يمسح الليلُ أوجاعَه بالردى
ولكنّ أيوبَ إن صاح صاحْ
«لكَ الحمدُ، إن الرزايا ندى،
وإن الجراحَ هدايا الحبيبْ
أضمُّ إلى الصدر باقاتِها،
هداياكَ في خافقي لا تغيبْ،
هداياكَ مقبولةٌ هاتِها!»
أشدّ جراحي وأهتف بالعائدينْ
«ألا فانظروا واحسدوني، فهذي هدايا حبيبي
وإن مسّتِ النارُ حُرَّ الجبينْ
تَوهّمتُها قبلةً منكَ مجبولةً من لهيبِ
جميلٌ هو السهدُ أرعى سماكْ
بعينيَّ حتى تغيبَ النجومْ
ويلمس شُبّاكَ داري سناكْ
جميلٌ هو الليلُ أصداءُ بُومْ
وأبواقُ سيّارةٍ من بعيدْ
وآهاتُ مرضى، وأمٌّ تعيدْ
أساطيرَ آبائها للوليدْ
وغاباتُ ليلِ السهادِ، الغيومْ
تُحجِّب وجهَ السماءْ
وتجلوه تحت القمرْ
وإن صاح أيوبُ كان النداءْ
«لكَ الحمدُ يا رامياً بالقدرْ
ويا كاتباً، بعد ذاك، الشفاءْ!»

أنشودة المطر

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحرْ،
أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناكِ حين تبسمان تُورق الكرومْ
وترقص الأضواءُ كالأقمار في نَهَرْ
يرجّه المجذافُ وهَنْاً ساعةَ السحرْ
كأنما تنبض في غَوْريهما، النجومْ
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ
كالبحر سَرَّحَ اليدين فوقه المساءْ،
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريفْ،
والموتُ، والميلاد، والظلام، والضياءْ،
فتستفيق ملءَ روحي، رعشةُ البكاءْ
ونشوةٌ وحشيّةٌ تعانق السماءْ
كنشوة الطفلِ إذا خاف من القمرْ!
كأنّ أقواس السحابِ تشرب الغيومْ
وقطرةً فقطرةً تذوب في المطرْ
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكرومْ،
ودغدغتْ صمتَ العصافيرِ على الشجرْ
أنشودةُ المطرْ
مطرْ
مطرْ
مطرْ
تثاءبَ المساءُ، والغيومُ ما تزالْ
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقالْ
كأن طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ
بأنّ أمَّه- التي أفاق منذ عامْ
فلم يجدها، ثم حين لجَّ في السؤالْ
قالوا له «بعد غدٍ تعودْ»-
لا بدَّ أن تعودْ
وإن تهامسَ الرفاقُ أنها هناكْ
في جانب التلِّ تنام نومةَ اللحودْ
تسفّ من ترابها وتشرب المطرْ،
كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباكْ
ويلعن المياهَ والقدرْ
وينثر الغناءَ حيث يأفل القمرْ
مطرْ
مطرْ
أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعث المطرْ؟
وكيف تنشج المزاريبُ إذا انهمرْ؟
وكيف يشعر الوحيدُ فيه بالضياعْ؟
بلا انتهاءٍ- كالدم المراق، كالجياع،
كالحبّ، كالأطفال، كالموتى- هوالمطرْ!
ومقلتاكِ بي تُطيفان مع المطرْ
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسح البروقْ
سواحلَ العراقِ بالنجوم والمحارْ،
كأنها تهمّ بالشروقْ
فيسحب الليلُ عليها من دمٍ دثارْ
أصيح بالخليج «يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤِ، والمحار، والردى!»
فيرجع الصدى
كأنه النشيجْ
«يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى»
أكاد أسمع العراقَ يذخر الرعودْ
ويخزن البروقَ في السهول والجبالْ،
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجالْ
لم تتركِ الرياحُ من ثمودْ
في الوادِ من أثرْ
أكاد أسمع النخيلَ يشرب المطرْ
وأسمع القُرى تئنّ، والمهاجرينْ
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع،
عواصفَ الخليجِ، والرعودَ، منشدينْ
«مطرْ
مطرْ
مطرْ
وفي العراق جوعْ
وينثر الغلالَ فيه موسمُ الحصادْ
لتشبعَ الغربانُ والجرادْ
وتطحن الشوّانَ والحجرْ
رحىً تدور في الحقول حولها بشرْ
مطرْ
مطرْ
مطرْ
وكم ذرفنا ليلةَ الرحيلِ، من دموعْ
ثم اعتللنا- خوفَ أن نلامَ- بالمطرْ
مطرْ
مطرْ
ومنذ أن كنّا صغاراً، كانتِ السماء ْ
تغيم في الشتاءْ
ويهطل المطرْ،
وكلَّ عامٍ- حين يُعشب الثرى- نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليس فيه جوعْ
مطرْ
مطرْ
مطرْ
في كلّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءَ أو صفراء من أجنّة الزهرْ
وكلِّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ
وكلِّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديدْ
أو حَلمةٌ تَورّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغدِ الفتيّ، واهب الحياةْ!
مطرْ
مطرْ
مطرْ
سيُعشب العراقُ بالمطرْ»
أصيح بالخليج «يا خليجْ
يا واهبَ اللؤلؤِ، والمحار، والردى!»
فيرجع الصدى
كأنه النشيجْ
«يا خليجْ
يا واهبَ المحارِ والردى»
وينثر الخليجُ من هِباته الكثارْ،
على الرمال، رغوَه الأُجاجَ، والمحارْ
وما تبقّى من عظام بائسٍ غريقْ
من المهاجرين ظلّ يشرب الردى
من لجّة الخليجِ والقرارْ،
وفي العراق ألفُ أفعى تشرب الرحيقْ
من زهرةٍ يربّها الفراتُ بالندى
وأسمع الصدى
يرنّ في الخليجْ
«مطرْ
مطرْ
مطرْ
في كلّ قطرةٍ من المطرْ
حمراءَ أو صفراءَ من أجنّة الزهرْ
وكلِّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ
وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ
فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديدْ
أو حَلمةٌ توَرّدتْ على فم الوليدْ
في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ»
ويهطل المطرْ

شناشيل ابنة الچلبي

وأذكر من شتاء القريةِ النضّاحِ فيه النورُ
من خَلل السحابِ كأنه النغمُ
تَسَّربَ من ثقوب المعزفِ- ارتعشتْ له الظُّلَمُ
وقد غنّى- صباحاً قبلَ فيمَ أعدُّ؟ طفلاً كنتُ
أبتسمُ
لليلي أو نهاري أثقلتْ أغصانَه النشوى عيونُ الحورْ
وكنّا- جدُّنا الهدّارُ يضحك أو يغنّي في ظلال الجوسقِ
القصبِ
وفَلاّحيه ينتظرون «غيثَكَ يا إلهُ» وإخوتي في
غابة اللَّعِبِ
يصيدون الأرانبَ والفَراش، و«أحمدَ» الناطورْ-
نُحدّق في ظلال الجوسقِ السمراءِ في النَّهْرِ
ونرفع للسحاب عيونَنا سيسيل بالقَطْرِ
وأرعدتِ السماءُ فرنّ قاعُ النهرِ وارتعشتْ ذرى السَّعَفِ
وأشعلهنَّ ومضُ البرقِ أزرقَ ثم اخضرَ ثم تنطفئُ
وفَتّحتِ السماءُ لغيثها المدرارِ باباً بعد بابٍ
عاد منه النهرُ يضحك وهو ممتلئُ
تُكلّله الفقائعُ، عاد أخضرَ، عاد أسمرَ، غصَّ
بالأنغامِ واللَّهَفِ
وتحت النخلِ حيث تظلّ تمطر كلُّ ما سعفَه
تراقصتِ الفقائعُ وهي تُفْجَر- إنه الرُّطَبُ
تَساقطَ في يد العذراءِ وهي تهزّ في لهفه
بجذع النخلةِ الفرعاءِ تاجُ وليدكِ الأنوارُ لا الذهبُ،
سيُصلب منه حبُّ الآخرين، سيُبرئ الأعمى
ويُبعث من قرار القبرِ مَيْتاً هدّه التعبُ
من السفر الطويلِ إلى ظلام الموتِ، يكسو عظمَه اللحما
ويُوقد قلبَه الثلجيَّ فهو بحبه يثبُ!
وأبرقتِ السماءُ فلاح، حيث تَعرَّجَ
النهرُ،
وطاف معلَّقاً من دون أُسٍّ يلثم الماءَ
شناشيلُ ابنةِ الچلبيِّ نَوَّر حولَه الزَّهَرُ
عقودُ ندىً من اللبلاب تسطع منه بيضاء
وآسيةُ الجميلةُ كحّل الأحداقَ منها الوجدُ والسَّهَرُ
يا مطراً يا حلبي
عَبِّرْ بناتِ الچلبي
يا مطراً يا شاشا
عبرّ بناتِ الباشا
يا مطراً من ذهبِ
تَقطّعتِ الدروبُ، مِقصّ هذا الهاطلِ
المدرارِ
قطَّعها وورّاها،
وطوّقتِ المعابرُ من جذوع النخلِ في الأمطارْ
كغرقى من سفينة سندبادَ، كقصّةٍ خضراءَ أرجأها وخلاّها
إلى الغد «أحمدُ» الناطورُ وهو يدير في الغرفه
كؤوسَ الشايِ، يلمس بندقيّتَه ويسعل ثم يعبر طرفُهُ
الشُّرفَه
ويخترق الظلامَ
وصاح «يا جَدّي» أخي الثرثارْ
«أنمكث في ظلام الجوسقِ المبتلّ ننتظرُ؟
متى يتوقّف المطرُ؟»
وأرعدتِ السماءُ، فطار منها ثُمَّةَ انفجرا
شناشيلُ ابنةِ الچلبيِّ
ثم تلوح في الأفقِ
ذرى قوسِ السحابِ وحيث كان يُسارق النَّظرا
شناشيلُ الجميلةِ لا تصيب العينُ إلا حمرةَ الشفقِ
ثلاثون انقضتْ، وكبرتُ كم حبٍّ وكم وجدِ
تَوهَّج في فؤادي!
غيرَ أني كلّما صفقَتْ يدا الرعدِ
مددتُ الطرفَ أرقب ربّما ائتلقَ الشناشيلُ
فأبصرتُ ابنةَ الچلبيّ مقبلةً إلى وعدي!
ولم أرَها هواءٌ كلُّ أشواقي، أباطيلُ
ونبتٌ دونما ثمرٍ ولا وَرْدِ!

أحبّيني..!

وما من عادتي نكرانُ ماضيَّ الذي كانا،
ولكنْ كلُّ من أحببتُ قبلَكِ ما أحبّوني
ولا عطفوا عليَّ، عشقتُ سبعاً كنَّ أحيانا
ترفّ شعورهنَّ عليَّ، تحملني إلى الصينِ
سفائنُ من عطور نهودهنَّ، أغوص في بحرٍ من الأوهام والوجدِ
فألتقط المحارَ أظنّ فيه الدرَّ، ثم تُظلّني وحدي
جدائلُ نخلةٍ فرعاءْ
فأبحث بين أكوام المحارِ، لعلّ لؤلؤةً ستبزغ منه كالنجمه،
وإذ تَدمى يدايَ وتَنزع الأظفارُ عنها، لا ينزُّ هناك غيرُ
الماءْ
وغيرُ الطينِ من صدف المحارِ، فتقطر البسمه
على ثغري دموعاً من قرار القلب تنبثقُ،
لأن جميع من أحببتُ قبلكِ ما أحبوّني،
وأُجلسهنَّ في شُرَف الخيالِ وتكشف الحُرَقُ
ظلالاً عن ملامحهنَّ آهِ فتلك باعتني بمأفونِ
لأجل المالِ، ثم صحا فطلّقها وخلاّها
وتلك لأنها في العمر أكبرُ أم لأن الحسنَ أغراها
بأني غيرُ كفءٍ، خلّفتني كلّما شرب الندى وَرَقُ
وفتَّح برعمٌ مَثّلتُها وشممتُ ريّاها؟
وأمسِ رأيتُها في موقفٍ للباص تنتظرُ
فباعدتُ الخطى ونأيتُ عنها، لا أريد القربَ منها
هذه الشمطاءْ
لها الويلاتُ! ثم عرفتُها أحسبتِ أن الحسن ينتصرُ
على زمنٍ تحطّم سورُ بابلَ منه، والعنقاءْ
رمادٌ منه لا يُذكيه بعثٌ فهو يستعرُ؟
وتلك كأن في غَمّازتيها يفتح السَّحَرُ
عيونَ الفلِّ واللبلاب، عافتني إلى قصرٍ وسيّاره،
إلى زوجٍ تَغيّرَ منه حالٌ، فهو في الحاره
فقيرٌ يقرأ الصحفَ القديمةَ عند باب الدارِ في استحياءْ،
يُحدّثها عن الأمس الذي ولّى فيأكل قلبَها الضَّجَرُ
وتلك وزوجُها عبدا مظاهرَ، ليلُها سَهَرُ
وخمرٌ أو قمارٌ ثم يُوصِد صبحَها الإغفاءْ
عن النهر المكركرِ للشراع يرفّ تحت الشمس والأنداءْ
وتلك؟ وتلك شاعرتي التي كانت لي الدنيا وما فيها،
شربتُ الشعرَ من أحداقها ونعستُ في أفياءْ
تُنشّرُها قصائدُها عليّ فكلُّ ماضيها
وكلُّ شبابها كان انتظاراً على شطٍّ يُهوّم فوقه القمرُ
وتنعسُ في حِماه الطَّيْرُ رشَّ نعاسَها المطَرُ
فنبّهها فطارت تملأ الآفاقَ بالأصداء ناعسةً
تؤجّ النورَ مرتعشاًَ قوادمُها، وتخفق في خوافيها
ظِلالُ اللَّيْل أين أصيلُنا الصيفيُّ في جيْكورْ؟
وسار بنا يُوَسوسُ زَوْرقٌ في مائه البلُّورْ
وأقرأ وهي تصغي والربا والنحلُ والأعناب تحلم في دواليها؟
تفرّقتِ الدروبُ بنا نسير لغَيْر ما رجعه
وغيّبها ظلامُ السجْن تؤنس ليلَها شمعه
فتذكر لي وتبكي غير أني لستُ أبكيها
كفرتِ بأمّة الصحراء
ووحي الأنبياء على ثراها في مغاور مكةٍ أو عند واديها
وآخرُهنَّ؟
آهٍ زوْجتي، قدَري أكان الداءْ
ليُقعدني كأني ميِّتٌ سهرانُ، لولاها؟
وهأنا كلُّ من أحببتُ قبلكِ لم يحبّوني
وأنتِ؟ لعلّه الإشفاقُ
لستُ لأعذرَ اللّهَ
إذا ما كان عطفٌ منه، لا الحبُّ، الذي خلاّه يسقيني
كؤوساً من نعيمٍ
آهِ ، هاتي الحبَّ ، روِّيني
به، نامي على صدري، أنيميني
على نهديك أوّاها
من الحُرق التي رضعتْ فؤادي ثُمةَ افترستْ شراييني
أحبّيني
لأني كلُّ من أحببتُ قبلكِ لم يُحبّوني