خليل حاوي

1403-1338هـ 1982-1919م

سيرة الشاعر:

خليل سليم حاوي
ولد في قرية الهُويّة (جبل العرب - جنوبي سورية)، وتوفي منتحرًا في بيروت.
عاش حياته العملية في لبنان، وتعليمه العالي في إنجلترا، وزار سورية والأردن.
تلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه، ثم انقطع عن الدراسة أكثر من عشر سنوات (1933 - 1945) اشتغل فيها بعض المهن اليدوية والإدارية، ونمّى فيها
مطالعاته، ثم عاد إلى التعليم النظامي (الثانوي) بمدرسة الشويفات الوطنية.
في عام 1948 التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت، فحصل على إجازتها، ثم على درجة الماجستير عام 1955 - ثم سافر إلى إنجلترا فحصل على الدكتوراه من جامعة
كيمبريدج عام 1959.
عمل مدرسًا معاونًا بالجامعة الأمريكية في بيروت، وترقى في وظائف التدريس حتى أصبح استاذًا بها - إلى 1982 - كما كان استاذًا بكلية التربية في الجامعة اللبنانية لمدة أربع سنوات (1968 - 1972).
كان عضوًا بجمعية العروة الوثقى، وباتحاد الكتّاب اللبنانيين، وواحدًا من مؤسسي مجلة شعر.
كان عضوًا في الحزب السوري القومي الاجتماعي (1936 - 1955).

الإنتاج الشعري:
- له ستة دواوين منشورة هي: «نهر الرماد»: منشورات مجلة شعر، بيروت 1957، «الناي والريح»: منشورات دار الطليعة، بيروت 1962، «بيادر الجوع»: دار الآداب، بيروت 1965، «المجموعة الشعرية الكاملة» - دار العودة، بيروت 1972، «الرعد الجريح»: دار العودة، بيروت 1979، «من جحيم الكوميديا»: دار العودة - بيروت 1979، ونشرت قصيدته: «العتبة الباردة» - في مجلة الأديب - بيروت 1947، وقصيدة «أهريمان» - في مجلة العروة الوثقى - بيروت 1947، 1948، وقصيدة «قربان الجسد» - مجلة العروة الوثقى - بيروت 1950، وعدة قصائد نشرت بمجلة الآداب، بيروت - النصف الأول من الخمسينيات، وقصيدة «أدونيس والمسيح» - مجلة الآداب - بيروت 1955، وبحوزة
أسرته مخطوطات شعرية، وله قصائد بالعامية اللبنانية نشرت بمجلات: العرائس - الصياد - الدبور.

الأعمال الأخرى:
- له عدد غير قليل من البحوث التي نشرت بالمجلات المتخصصة، أو الكتب التذكارية، أو مقدمات الدواوين، وله: العقل والإيمان بين ابن رشد والغزالي - رسالة لنيل الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت، و له دراسة عن جبران خليل جبران (بالإنجليزية) - بيروت 1972.
شعر مثقف، يستمد رؤاه وصوره ورموزه من حضارات شتى وثقافات متنوعة، يعكس معرفة منتخبة من التراث العربي تصلح لوظائف القصيدة الحديثة، يكتب قصيدة التفعيلة، ولكن حرصه على تقوية الإيقاع تتجاوز الوزن إلى التشكيل الصوتي وعلاقات العبارات، يعاود مراجعة شعره، ويحرص على موقع القصيدة في سياق القصائد، فتبدو واحدتها نقشًا أو حركة في تكوين جمالي وصوتي يزدان بالتكامل ويكتسب أبعادًا أسطورية.
يقول محمد غنيمي هلال عن إحدى قصائده: إن فيها وسائل إيحاء رمزية سريالية (في تجاوز الوعي واللاوعي) وتعبيرية من حيث التطلع للبعث الجديد.
كتبت عنه دراسات بأقلام: محمد غنيمي هلال - مطاع صفدي - روز غريب - إيليا حاوي - محمد مصطفى بدوي - عز الدين إسماعيل - حسين مروة... وغيرهم.

مصادر الدراسة:
1 - إيليا الحاوي: مع خليل حاوي في مسيرة حياته وشعره - دار الثقافة - بيروت 1986.
2 - ريتا عوض: خليل حاوي - المؤسسة العربية للدراسات والنشر (ط1) بيروت 1983.
3 - الدوريات:
- ساسين عساف: السيرة الناقصة - مجلة تحولات - العدد الأول - بيروت 1983.
- ميشال جحا: خليل حاوي - أضواء على شخصيته وشعره - مجلة دراسات عربية العدد 7 - السنة 5 - بيروت 1985.

ليالي بيروت

في ليالي الضيقِ والحرمانِ
والريح المدوِّي في متاهات الدروبْ
من يقوِّينا على حمل الصليبْ
من يقينا سأم الصحراءِ
مَنْ يطرد عنَّا ذلك الوحش الرهيبْ
عندما يزحفُ من كهف المغيبْ
واجمًا محتقنًا عبر الأزقّهْ
أنَّةٌ تُجهش في الريح، وحُرقَه،
أعينٌ مشبوهة الومضِ
وأشباحٌ دميمه
ويثور الجنُّ فينا
وتُغاوينا الذنوبْ
والجريمه
«إنَّ في بيروت دنيا غيرَ دنيا»
«الكدحِ والموت الرتيبْ»
«إنَّ فيها حانةً مسحورةً،»
«خمرًا، سريرًا من طيوبْ»
«للحيارى»
في متاهات الصحارى،
في الدهاليز اللعينه
ومواخيرِ المدينهْ
في هنيهاتٍ يهون الكفرُ فيها
من يقويّنا على حمل الصليبْ
كيف ننجو من غوايات الذنوبْ
والجريمه؟
مَن يقينا وهلةَ النومِ
وما تحمل من حُمّى النَّهارْ
أين ظلُّ الورد والريحانِ
يا مِروحةَ النوم الرحيمه؟
آهِ من نومي وكابوسي الذي
ينفض الرعبَ بوجهي وجحيمهْ
مخدعي ظلُّ جدارٍ يتداعى
ثم ينهار على صدري الجدارْ
وغريقًا ميتًا أطفو على دُوَّامةٍِ
حَرَّى ويُعميني الدُّوارْ
آهِ والحقدُ بقلبي مصهرٌ
أمتصُّ، أجترُّ سمومَه
ويدي تُمسك في خذلانها
خنجرَ الغدر، وسُمَّ الانتحارْ
رُدَّ لي يا صبحُ وجهي المستعارْ
رُدَّ لي، لا، أيَّ وجهٍ
وجحيمي في دمي، كيف الفرارْ
وأنا في الصبح عبدٌ للطواغيت الكبارْ
وأنا في الصبح شيءٌ تافهٌ، آهِ من الصبحِ
وجبْروت النَّهارْ!
أنجُرُّ العمرَ مشلولاً مدمّىً
في دروبٍ هدَّها عبءُ الصليبْ
دون جدوى، دون إيمانٍ
بفردوسٍ قريبْ؟
عمرنا الميِّتُ ما عادت تدمِّيه الذنوبْ
والنيوبْ
ما علينا لو رهنَّاهُ لدى الوحشِ،
أو لدى الثعلب في السوق المريبْ
وملأناجوفنا المنهومَ
من وهج النُّضارْ
ثمَّ نادَمنا الطواغيتَ الكبارْ
فاعتصرنا الخمرَ من جوع العَذارى
والتهمنا لحمَ أطفالٍ صغارْ،
وغفونا غفو دُبٍّ قُطُبيٍّ
كهفُه منطمسٌ، أعمى الجدارْ

الجسر

وكفاني أنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حبِّهم خمرٌ وزادْ
من حصاد الحقلِ عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ
أنَّ لي عيدًا وعيدْ
كلَّما ضوَّأ في القرية مصباحٌ جديدْ
غير أنِّي ما حملتُ الحبَّ للموتى
طيوبًا، ذهبًا، خمرًا، كنوزْ
طفلهم يولد خفَّاشًا عجوزْ
أين من يُفني ويُحيي ويعيدْ
يتولّى خلقَه طفلاً جديدْ
غسلَه بالزيت والكبريتِ
من نتن الصديدْ
أين من يُفني ويُحيي ويعيدْ
يتولّى خلقَ فرخَ النَّسْرِ
أنكر الطفلُ أباه أمَّهُ
ليس فيه منهما شبهٌ بعيدْ
ما له ينشقُّ فينا البيتُ بيتينِ
ويجري البحرُ ما بين جديدٍ وعتيقْ
صرخةٌ، تقطيع أرحامٍ،
وتمزيقُ عروقْ
كيف نبقى تحت سقفٍ واحدِ
وبحارٌ بيننا سورٌ
وصحراءُ رمادٍ باردِ
وجليدْ
ومتى نطفرُ من قبوٍ وسجنِ
ومتى، ربَّاهُ، نشتدُّ ونبني
بيدينا بيتَنا الحرَّ الجديدْ
يعبرون الجِسر في الصبح خِفافًا
أضلعي امتدّت لهم جسرًا وطيدْ
من كهوف الشرق، من مستنقع الشرقِ
إلى الشرق الجديدْ
أضلُعي امتدّت لهم جسرًا وطيدْ
«سوف يمضون وتبقى»
«صنمًا خلّفهُ الكهَّانُ للريحِ»
«التي تُوسعه جلدًا وحرقا»
«فارغَ الكفّين، مصلوبًا، وحيدْ»
«في ليالي الثلحِ والأفق رمادٌ»
«ورمادُ النار، والخبز رمادْ»
«جامدَ الدمعة في ليل السهادْ»
«ويوافيك من الصبح البريدْ»
« صفحةُ الأخبار كم تجترُّ ما فيها»
«تفلّيها تُعيدْ!»
«سوف يمضون وتبقى»
«فارغَ الكفّين، مصلوبًا، وحيد»
اخرسي يا بومةً تقرع صدري
بومةُ التاريخ منِّي ما تريدْ؟
في صناديقي كنوزٌ لا تبيدْ
فرحي في كلِّ ما أَطعمتُ
من جوهر عُمري،
فرحُ الأيدي التي أعطت وإيمانٌ وذكرى،
إنَّ لي جمرًا وخمرا
إنَّ لي أطفالَ أترابي
ولي في حبِّهم خمرٌ وزادْ
من حصاد الحقل عندي ما كفاني
وكفاني أنَّ لي عيدَ الحصادْ،
يا معادَ الثلج لن أخشاكَ
لي خمرٌ وجمرٌ للمَعادْ

من قصيدة: وجوه السندباد

لم تر الغربةَ في وجهي
ولي رسمٌ بعينيها
طريٌّ ما تغيَّرْ
آمنٌ في مطرحٍ لا يعتريهْ
ما اعترى وجهي
الذي جارت عليهِ
دمغةُ العمر السفيهْ
كيف - قربي - لا تَرى
ما زوَّر العمرُ وحفَّرْ،
كيف مرَّ العمرُ من بعدي
وما مرَّ،
فظلَّتْ طفلةَ الأمس وأصغرْ
تغزل الرسمَ على وجهي،
وتحكي ما حكته لي مِرَارْ
عن صبيٍّ غصَّ بالدمعةِ
في مقهى المطارْ
«غِبتَ عنِّي،
والثواني مرضتْ
ماتت على قلبي
فما دار النَّهارْ،
ليلنا في الأرْزِ من دهرٍ تُراهُ
أم تُراهُ البارحهْ؟
صدرك الطيِّبُ
نفسُ الدفء والعنفِ
ونفس الرائحهْ
وجهك الأسمرُ»
- أدري أنّ لي وجهًا طريّا
أسمرًا لا يعتريهْ
ما اعترى وجهي
الذي جارت عليهِ
دمغةُ العمر السفيهْ
وجهيَ المنسوج من شتَّى الوجوهْ
وجَه من راح يتيهْ
- سجينٌ في قطار
مُرَّةٌ ليلتُه الأولى
ومُرٌّ يومُه الأولُ
في أرضٍ غريبهْ
مُرِّةً كانت لياليه الرتيبه
طالما عضَّ على الجوعِ
على الشهوة حرَّى
وانطوى يعلكِ ذكرى
يمسحُ الغبرةَ عن أمتعةٍ مِلءَ الحقيبه
حجرٌ تحمله الدُوَّامة الحرَّى،
سجينٌ في قطارْ
ما درى ما نكهةُ الشمسِ،
وما طيبُ الغبارْ
ورَشَاشُ الملح في ريح البحارْ
من أسابيعَ وفي غرفتهِ
تلك الكئيبه
تأكل الغبرةُ أشياءَ الحقيبه
تأكلُ الوجهَ الذي خلَّفه
لـمَّـــا تعرَّى
ومضى وجهًا طريّاً
ما له أمسٌ وذكرى
- مع الغجر
مُن تُرى يحتلُّ ذاك الفندق الريفيَّ
عُرسُ الجنِّ فيه مَحرقهْ!
لهبُ الرقصِ
ورقصٌ في اللهبْ
والتعبْ؟
مَنْ تُرى يتعبُ مِنْ
لينِ الزنود الـمُحرقه
من تُرى يرتاحُ في حُمَّى السريرْ!
صاحِ «هذا الكأسُ لي
من أهرقه؟»
ضحكتْ
«ثوبي الدمشقيُّ الحريرْ
لست أدري، لم أسل من مزَّقهْ»
أتقن الدوخةَ من خَصْرٍ لخصرٍ
عاد من عُرس الغجرْ
دمغةٌ في وجههِ،
في دمهِ شلاّل نارٍ
وعلى قمصانه ألفُ أثرْ
موجةٌ واحدةٌ في دمهِ
في زوغة الشمسِ
وحمّى المعدن المصهورِ
في البركان، في وهج الثمارْ
موجةٌ تغزلُ في المرج فراشاتٍ
وتغفو في خوابي الخمرِ
تغفو في قوارير البَهارْ،
موجةٌ فوّرها في دمه
عرسُ الغجرْ
عاد منه ما له ذاكرةٌ
تُحصي الصورْ
عمرُه ثانيةٌ عبر الثواني
يتلقّاها، وينسى ما عبرْ
عمره عمرُ الغجرْ
وله وجهُ الغجرْ
وجهُ من تبصقُه الدَّوامة الحرَّى
فيرسو في المواني
ومحطاتِ القطارْ
لِبَنَات «البار» ما في جيبهِ
ضحكةٌ
حشرجةٌ خلف الستارْ
وجهُ من يتعب من نارٍ
فيرتاح لنارْ
- بعد الحمّى
وجهُ من يصحو من الحمّى
فراغٌ، شاشةٌ ترتجُّ،
عينٌ مطفأه،
وصريرُ المدفأه
- جنّة الضجر
وجهُ ذاك الطّالبِ القاسي
على أعصاب عينٍ متعبه
في زوايا متحفٍ، في مكتبه
وجهُهُ يعرقُ مصلوبًا
على سِفْرٍ عتيقْ،
وعلى صمت الصورْ
ووجوهٍ من حجرْ،
ثم يرتاح إلى الصمت العريقْ
حيث لا عمرٌ
يبوخُ اللونُ فيه والبريقْ

من قصيدة: ضباب وبروق

طالما أوغلتُ في بحرٍ خفيٍّ
لا يداني
شطَّه المرصود إيقاعُ الثواني
حيث لا يشتدُّ هول الموجِ
حتى يمّحي نجمٌ وصبحٌ ومواني
حيث لا ينشقُّ مرعى الغيمِ
عن وهج البروقْ
غابةً سودا وأدغالاً
يدمِّيها الحريقْ
شبحٌ يُبحرُ في البحرانِ
يُغويه السّرابْ
تلتقيه في ضباب التبغِ
أشباحٌ يغشِّيها الضّبابْ،
وسوادٌ صامتٌ
يهبط في المقهى
على وجه الشّرابْ
طالما عانيتُ رسمًا
في ضباب التبغِ ينمو بينَ
عينَّي وينمو في وجومْ
يتخطّى فسحةَ المقهى
ويُخفي ظلُّه سيلَ الرسومْ،
كيف كانت تلتوي الشهوةَ
في وجه خصيٍّ
سخرت منه الجواري
يمتطي الفرسانَ
مرهوبًا، وليًا، لا يداري
كيف ساقتني إلى غيب الصحاري
لعنةُ العار القديمْ،
كنت فيه الخالقَ المخلوقَ وجهًا
صهرته الشمسُ والريح السَّمُومْ
فتجلَّت فيه نارٌ صلبةٌ
تعصى على نار الجحيمْ
تتعالى شُهبًا
من رحم الأرض لأبراج النجومْ
طالما أغمضتُ دون البرقِ
عينيَّ، وأَرخيتُ الستائرْ
وتركتُ الليلَ
ينهالُ على أشلاءِ مصباحٍ يموتْ
وتلحَّفْتُ السكوتْ
فتلوَّتْ خلف جفنيَّ
من البرق التماعاتُ الخناجرْ
أنتَ يا من غَوّرتْ
في جوفه الرؤيا وغصَّتْ
فاستحالتْ جمرةً ملتهمَهْ
تلك رؤيا اختنقَتْ
في الكلمَهْ
حين ثارتْ، وتحدَّتْ
لعنةً ما برحت تشتدُّ
من جيلٍ لجيلْ
لعنةَ الأرضِ البغّي الهرمَهْ
يومَ كانَ الصبحُ ينهلُّ على
أرضٍ بَتُولْ
فجَّرتْ فيها سيولاً وسيولْ
من خيول الفتحِ
رؤيا التمعَتْ في كلمَه
أترى هل كان ما عاينتَهْ يومًا
سوى صبحٍ غريبْ
شمسُهُ تطلعُ من صوب المغيبْ
وسوى نهرٍ عجيبْ
تمَّحي اللعنةُ فيه،
والتجاعيدُ، وينحلُّ المشيبْ؟
كان أجدى
لو بنَتْ كفَّاكَ بُرجًا متعالي
في حنايا صمتهِ
يرفلُ وَهجَ الطِّيبِ
في وهج اللآلي
وغلالاتٍ من الوهمِ المغالي
وشّحتْها حنوةُ الليل الطريِّ
وصفاءٌ مُخمليٌّ قَمَرِيِّ
يَلتوي عنها جنونُ الشمسِ
تَرتدُّ ظنونُ الأعينِ المتَّهمهْ
كان أجدَى
لو تبَّرجتَ
وبرَّجتَ البغيَّ الهرِمَهْ
طالما غرَّبتُ في الخمرةِ
عَن طبعي وحَالي
غِبتُ في طبعِ صبٍّي لا يبالي
غِبتُ في طبعِ الدوالي
أرتوي من مَرَحِ الشمسِ
وما ينهلُّ من صحو السَّحابْ
ضَجةُ المقهى
ضَبابُ التبغِ
مصباحٌ وأشباحٌ يغشيِّها الضبابْ
لا أُبالي
إنَّ لي طبعَ الدوالي
وطباعًا وطباعًا وطباعْ
شررًا، موجًا، غيومْ،
بعضُها ينحلُّ في بعضٍ
ولا يُبقي
سوى طعمِ الصراعْ
وسوى طعم الضياعٌ
إن يكن يطمعُ بالغفرانِ
من يَبكي يصلِّي ويصومْ
فأنا طبعٌ غريبٌ لا يدومْ
يكتوي بالرعبِ من طبعٍ
غريبٍ لا يدومْ
في جبالٍ من كوابيس التخلِّي والسهادْ
حيث حطَّت بومةٌ خرساءُ
تَجترُّ السوادْ
الصدى، والظلُّ، والدمعُ جمادْ
يتجلَّى فارسٌ غضٌّ منيعْ
فارسٌ يمسح غصَّاتِ الحزانى والجياعْ
ويعرِّي الفعلَ
من إسمٍ وظرفٍ وقناعْ
وتودّ البومةُ الخرساءُ
لو ماتَ الجميعْ
لو تَوارى الفارسُ الغضُّ المنيعْ
موجةً يلهو بها، يهدمُها
موجُ الطباعْ
وأرى الفارسَ يَهوي ويغيبْ
وأرى البومةَ تَهوي وتغيبْ
بين شطَّين مِن الموجِ العُبابْ
وأرى عبرَ الغيابْ
شبحًا يُبحرُ في البُحْرانِ
يُغويهِ السَّرابْ
تَلتقيهِ في ضباب التبغِ
أشباحٌ يغشيِّها الضبابْ