رياض الحمداني

1421-1374هـ 2000-1954م

سيرة الشاعر:

رياض بن حسن بن كاظم الحمداني.
ولد في مدينة المسيّب (جنوبي العراق)، وتوفي في مدينة الحلّة (جنوبي بغداد).
قضى حياته في العراق.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في بلدة المسيب، ثم قصد بغداد فالتحق بكلية الطب حتى تخرج فيها عام 1977.
عمل طبيبًا في مستشفى مرجان في الحلة، ثم مديرًا له.
كان عضوًا في جمعية المؤلفين والكتاب العراقيين.
نشط في نشر الوعي الثقافي، كما شارك في المهرجانات الأدبية.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان مخطوط، وله قصائد وردت ضمن كتاب «تراجم أدباء المسيب».
كتب قصيدة التفعيلة، وغلبت على قصائده روح السرد، جسد في شعره مشاعر الغربة والحنين والإحساس بالوحشة، حيث شاعت في قصائده مفردات الفقد والألم، له قصيدة طريفة بعنوان «من مذكرات خلية سرطانية في ثدي امرأة» مال فيها إلى الرمزية والإسقاط السياسي. لغته رقيقة عذبة، ومعانيه عميقة متجددة، وخياله كلي.

مصادر الدراسة:
1 - جواد عبدالكاظم محسن: تراجم أدباء المسيب (مخطوط).
2 - الدوريات: جواد عبدالكاظم محسن: دليل أعلام المسيب، الجنائن - بابل - العدد 49 - 26/5/2001.

عشُّ الطائرِ البريِّ

منذ ولادتك الأولى
يا بنَ الأرض وأنت تسافر لا تمنحكُ الأرض الدارْ
لا تمنحك الأرض الظلّ
لا تمنح حتى القبرْ
لا تعطيك السرْ
لا أرضَ تروّي هذا العطش الوحشيْ
يا بنَ الأرض تهاجر طيرًا من عشِّـكَ
تعدو في مجهولٍ مطبقْ
في سنوات الوحدة والغربة حلِّقْ
واطبقْ
اغرزْ
بمخالبك ألـمًا عرفَتْ طعم الراحة يومًا
في جسد النائم في الشمس جراحك واغمدْ
عنفَ عذابك ثانيةً
ثالثةً
واطفئْ هذا الغضبَ البركان، وحلِّقْ
يا بنَ الأرض طرقتَ بيوت الناسْ
وقلوب الناسْ
ما من أحدٍ أعطاك الماءْ
وغيومُ طريقك يملؤها عقمٌ، جَدْبٌ قاحلْ
أين هو المطر؟ فاشربْ ماءك يا بنَ الأرض سرابْ
وبقيت وحيدًا
رحلوا كلُّهم، لم يبق سوى أثرٍ
تمسحه الريح وذكرى
تبسط كالطائر جُنْحيها، تبتسمُ
تترجرجُ كالزئبق في «بارومترٍ» مكسورْ
لم يبقَ سواك وظلّ الجسد المنحورْ
وتعود إلى عشّك ثانيةً
لكنْ هدموهْ
لكنْ سرقوهْ
هذي أعواد العشِّ مبعثرةً، مهملةً
تلهو الديدان بها والريح، تذكَّرْ
عرقًا، ودمًا، تعب الذرّات بأوتار
العضلات البريّهْ
خفقات الأجنحةِ الورديهْ
حتى تصبحَ أعوادًا منسيّه
عشّاً مسحورًا يدفع عنك البردَ
وغاراتِ البرد الثلجيّه
يا بنَ الأرض تذكَّرْ
يا بنَ الأرض تذكَّرْ

لا تغيبي عن مخيلتي

تبخَّر كلُّ شيءٍ أقفرتْ كلُّ الشوارعِ
فالحجارةُ أنكرت أطفالها
والسّوق من لفح الظهيرة صار يحتضرُ
تبدَّل كلُّ شيءٍ هاهمُ الأحفاد قد كبروا
وما كبروا
أحقّاً سوف يأتي موعد الإخصابِ
تترك قبوَها الأمطارْ
تشقُّ أساور الأكفانْ
وتنهمرُ؟
مُسيّبُ، يا مسيّب لا تغيبي عن مخيّلتي
وجفنكِ ناعسٌ وسنانْ
وجسرُكِ واهنٌ تتكسَّر الأضلاع فيه مِن
العبورِ المستمرّ لموكبِ الزمنِ
المثيرِ المستفزِّ الطّوطمي
هاك الجراحَ معابرًا نحو النهايهْ
والبداية، بدءُ البدء والأنوارْ
وهاك يدي اقرئي مستقبلي
المجهولْ
كأن نهاية الدنيا تسافر في خطوط يدي
كأن ضراوة الجسدِ
سمومٌ تنثر التدميرَ في كبدي
أهاجر ثم تحملني مَراراتٌ على الأمواج
تقذفني غريقًا فوق ساحلكِ
الذي غطَّته أقدامٌ لديناصورْ
أهاجر واهمًا ورحيل أقدامي
يدور خلال دائرة الردى الوحشية العمياءْ
يدور خلال دائرة الردى الصمّاءْ
أهاجرُ ثم ثم أعود نحو بدايتي العذراءْ
مساءَ السبت والأمطار تنهمرُ

من مذكرات

لا أذكر كيف ولدتُ ولكني
أعرف أني أتنفَّس ريحَ الحريَّهْ
أعرف أني أكبر أنمو والزمن المتكبِّرُ
مثل جذوري السحريهْ
أعرف أن بقائي ملتصقٌ ببقاء خلايا
اللحمِ البشريهْ
ببقاء الجيران الغافين جواري
لا أسلاكٌ شائكةٌ تمنع زحفي نحو قراهم
كي أمنحهم قُبلاتي الوحشيهْ
أتوحَّد في صمت القبلات المحمومه
معهم في عري الإيقاعات الراقصة المشؤومهْ
وأمدُّ يدي لمصافحة الجيرانْ
لا بحرٌ يمنع «روما» من أن تأكلها النيرانْ
هل تعرف طعمَ القبلات القاتلة الحارقة اللامرئيهْ
هل تعرف طعم العشق المتوحّد في ذات المحبوبْ
القاتل ذات المحبوبْ
هو عندي هو ذاتي البلّوريّه
أنا ميدوزا الأسطوريهْ
تتحجَّر في نظراتي الوثنيةِ
دفءُ الذرات الأشياءُ الميتة الحيّهْ!
في الظلمة أُولد خلف كواليس الأفراحْ
خلف كواليس الأحزانْ
وطقوس الميلاد جراحٌ
لي للجسد المتفجّر بركان أنوثتهِ
قوسًا قزحيًا تتداخل فيه الألوانْ
تتبعثر عنه الألوانْ
لما أولد أكتب أيضًا
ساعةَ موت الإنسانْ
لما أُولد يبدأ عنف عذابات الإنسانْ
مهما كانْ
أبيضَ، أو أسودَ أو أصفرَ لا فرقْ عندي
فمتاعي واحدْ
زادي الجسدُ الفاني - الخالدْ!