سليم دبابنه

1413-1357هـ 1992-1938م

سيرة الشاعر:

سليم شتيوي دبابنه.
ولد في قرية طيبة بني علوان (محافظة إربد - شمالي الأردن) وتوفي في مدينة الزرقاء.
قضى حياته في الأردن.
تلقى تعليمه قبل الجامعي في مدارس قريته طيبة بني علوان، ثم قصد دمشق، فدرس الفلسفة في جامعتها، حتى تخرج فيها عام 1966.
عمل مدرسًا في الفترة من (1967 إلى 1975) في وزارة التربية والتعليم الأردنية في مدارس محافظة الزرقاء، ثم ترقى إلى مشرف تربوي في الفترة من (1975 إلى 1979).
كان عضوًا في نادي أسرة القلم في الزرقاء، كما كان عضوًا في رابطة الكتاب الأردنيين.
نشط في العمل الثقافي، فشارك في نشاطات رابطة اتحاد الكتاب الأردنيين، ونادي أسرة القلم، كما كان له نشاط اجتماعي.

الإنتاج الشعري:
- له قصائد متفرقة نشرت في مجلة الأفق الجديد منها: «المهزومون وعودة الصغار - حكاية المتعبين والقيثارة الصغيرة - الفقر والبراءة»، وله قصيدة نشرت في مجلة الأديب بعنوان: «ذكريات الساقية» - عدد 6/1959، وله ديوان مخطوط - بعنوان: «نافذة على البردي».
شاعر مجدد، كتب قصيدة التفعيلة ووسمها بطابع وجداني ممتزج بصور الواقع، يتسم بتنوع الصور وثراء التراكيب وكثافة التعبير، بعض قصائده تنزع إلى شكل الأمثولة، وتمتاز بتواتر المشاهد الموحية والممتدة حتى تكاد تصبح القصيدة صورة واحدة في بنيتها الدلالية والشعورية، كما نجد في شعره مسحة من الحزن والألم، مع عمق في نزعته الإنسانية وتنوع في أساليبه، وإفادات ثرة من تشكلات واقع الحياة اليومية تعكس صورًا سخية عن بيئته، حيث تتجلى ملامح الأمكنة والوجوه والممارسات لإنسانية.

مصادر الدراسة:
- معجم أدباء الأردن (جـ2) - وزارة الثقافة - عمان (قيد الطبع).

الفقر والبراءة

تحيةً إليك يا بنُيّ
عساك أن تكون دائمًا بخيرْ
يحيط بي إخوانك الصغارْ
وإن سألت عنهمُ فكلهم بخيرْ
يهدونك السلامْ
ويقرؤون دائمًا خطابك الأخيرْ
والشوق في عيونهم يكاد أن يطيرْ
ويسألون دائمًا عن رسمك الصغيرْ
ليغرقوا جبينه بأثمن العطورْ
بالحبِّ يا بنيْ
سألتني وليت ما سألت في خطابك الأخيرْ
عن موسم الأعراسِ والحصادِ والغِلالِ
وكيف يسهر الصحاب في الليالي
بذارنا بُنيَّ من سنينْ
يموت في قشوره ونحصد الترابْ
والتين في كرومنا ممزَّق الثيابْ
والزيت في جرارنا يجفّ والجِرارْ
تبيت في ظلامها قوافل اللُّباب
وهكذا وهكذا ومرَّ هذا العامْ
كغيره لم يقرِئ البيادرَ السلامْ
لأنها لم تمطرِ السماءْ
وأَرضُنا فقيرةٌ قليلةُ العطاءْ
أما عن الأعراس يا بنيَّ والصِّحابْ
صحابك الشبابْ
قد هاجروا جميعهم ليعملوا جنودْ
وليلُنا غرابْ
لا عرسَ في جفونه لا شمعةٌ تُذابْ
لكنه ينام في عيوننا كأنه إلهْ
كم مرةٍ رأيته وها أنا أراهْ
على جبين أمك الحنون إذ تقولْ
اُكتب له عسى يعودْ
لأمه لأرضه فأرضه تريدْ
تريد أن تراهْ
تمنحه كنوزها ودفقةَ الحياهْ
وقبل أن أنامْ
وقبل أن تشدّني أصابعُ النعاسْ
أرجوك يا بنيَّ أن تعودْ
لأرضنا تشقُّها وتُخرجُ الكنوز من بطونها
وتزرعُ الورودْ
لتنثر الورودْ
على تراب قبريَ الوحيدِ إن غَفَوْتْ
وقبلةٌ هديتي إليك والختامْ

المهزومون.. وعودة الصغار

«هيه لا هيلا
هي لا هي لا»
وأسودَّ وجه الغيمِ وجه البحر لون الاغنياتْ
وتلفَّعتْ حُزَمُ السكون بهمهماتٍ نابحاتْ
فتكسَّرت ألحانهم ألـمًا بقايا أغنياتْ
فالبلبل الغرِّيدُ ماتْ
لما تهاوت من ذرى العلياء آلاف النجومْ
وتسارعت للبدر تحجبُه وتخنقُه الغيومْ
ومع اختناق البدر راحت أغنياتهمُ تُذوبْ
والريح تزأرُ في القلوب تجعِّدُ الموج الغضوبْ
وتسوطُ وجهُ القارب المسكين تجلدُه فيهرب في الدروبْ
وتجمَّع البحارة البسطاء والرُّعبُ المريرْ
يعلو وجوهَهمُ ويمسح عن معالمها الحياهْ
ويجمِّد النظراتِ في أحداقهم ويشدّ أعراق الشِّفاهْ
فيسيلُ من طيّاتها همسٌ كتمتمةِ الصّلاهْ
«يا ربَّ هذا البحر يا ربَّ المياهْ
ما ذنبنا لم نقترفْ إثمًا ولكنا انطلقنا باحثينْ
عن درَّةٍ كنا أضعنا ثوبها الذهبيَّ في درب السنينْ
ولقد قطعنا ألفَ سهلٍ وانعطفنا للشعابْ
ولقد بحثنا في شطوطِ الوحل جئنا كلَّ غابْ
لكننا لم نلقَ غير حقيبةٍ صفراءَ تلمع في الترابْ
مملوءةٍ بالطين بالكبريت بالملح المذابْ
فأشاح مركبنا وعادَ وخلَّفَ الأرض الخرابْ
ومضى يطير لبحرك الملحيِّ تسبقه العيونْ
وتراقصت أحداقُنا والبحر يحلم في سكونْ
لكنَّها جمدتْ على صفحاتهِ
عميتْ وغشّاها الضبابْ
فلوَتْ خُطانا عن طريق النور سرنا تائهينْ
لا النورُ يحضننا ويهدينا ولا صدأُ العيونْ
وبتِيهنا غاصت شباك الصيد فاصطدْنا الضياعْ
في شِدْقِ «حَوَّامٍ» وظِلُّ الموج يقفز للشراعْ
حتى تحطَّمتِ المجاذيف الصغيرة والشراعْ
حتى غرقنا في بحارٍ بالبقاعْ
بالشاطئ الوسنان حيث رمالُنا تلدُ الجياعْ
ولقد وُعِدنا أن نعودْ
لنسائنا الغيد الحُبالَى بالورودْ
وبثوب درّتنا ودُرَّتنا وُعدنا أن نعودْ
فارفق بنا بنسائنا بصغارنا
والْـجُمْ رياحَك، أبعدِ الأمواج عن أجفاننا
وارشدْ خُطانا التائهات إلى ظلال نخيلنا
وغدًا نعودْ
نعطيك وعدًا أن نعودْ
لنُعاسك الأبديِّ، للقعرِ الكبير، مصيرِنا»
«هيلا هيه لا
هي لا هيلا»
عادوا تقود خطاهمُ العرجاءَ أحلى الاغنياتْ
عادوا وفوق جبينهم إكليلُ فرسان الحياهْ
لكنهم عادوا بلا مجذافهم قبل الأوانْ
عادوا فوعدُ الحرِّ دَينٌ وامتحانْ
- يا بحرُ قد عدنا ولم تقتل رغائبَنا الوعودْ
فلقد رمانا موجُك المجنونُ فوق رمالنا
وحنت علينا أرزةٌ سمراءُ غطاها الجليدْ
كنا زرعنا جذرَها الغربيَّ قرب بيوتنا
حملتْ خطانا الذاهلاتِ إلى صدور نسائنا
فولدنَ تحت الأرزة السمراءِ جيلَ صغارنا
جيلاً سترنا عُريه بلحومنا
جيلاً منحنا جوعَه للبحر، جوعَ دمائنا
وغدًا سيأتيك الصغارْ
أبطالنا العظماء، عفوًا، لا الصغارْ
وعيونهم شمس تضيء بلا غروبْ
فلقد نسجنا نورها الذهبي من ليل الدروبْ
كي لا يعود الليل يعميهم عن الدرب الحبيبْ
حيث الأغاني الخضر حيث الدرة البيضاء في الشط الخطيبْ
فتعود تجري بالدم الدفاق أودية القلوبْ
وتعود أرزتنا تزيح الثلج، تصعد للسماءْ
في رأسها وهج النبوة من عيون الأنبياءْ