صلاح أحمد إبراهيم

1414-1352هـ 1993-1933م

سيرة الشاعر:

صلاح أحمد إبراهيم.
ولد في مدينة أم درمان (السودان) وتوفي في باريس.
قضى حياته في السودان، والجزائر، وفرنسا.
تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بأم درمان، وتخرج في كلية الآداب - جامعة الخرطوم 1958.
عمل بوزارة المالية والاقتصاد بالسودان، ثم عين سفيرًا لبلاده بالجزائر، وأخيرًا.. تفرغ للكتابة في باريس حيث توفي هناك.
كان أحد مؤسسي اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا، وكان له نشاط فكري ملموس في وطنه.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «غابة الأبنوس» - منشورات دار الحياة، بيروت (د. ت)، و«غضبة الهبباي» - منشورات دار الثقافة، بيروت (د. ت)، ونشر عددًا غير قليل من قصائده في الصحف السودانية، وصحف القاهرة ومجلاتها، والصحافة العربية عامة.

الأعمال الأخرى:
- ألف كتاب: «البرجوازية الصغيرة» بالاشتراك مع علي المك، انتقد فيه بعض سلوكيات دعاة الماركسية في السودان.
يعد رأس المدرسة الحديثة في الشعر السوداني، انصرف في معظم قصائده عن عمود الشعر والتزم التفعيلة. شعره مليء بالرموز العربية والإفرنجية، يستند إلى
مرجعية ثقافية واسعة، قديمة ومعاصرة، لغته عالية وموسيقاه تتجاوب وحركة المعنى صعودًا وتراجعًا، يميل في بعض شعره لمعالجة قضايا التحرر ومهاجمة الاستعمار في أسلوب بعيد عن التقرير والخطابية.

مصادر الدراسة:
1 - أحمد أبو سعد: الشعر والشعراء في السودان - دار المعارف - بيروت 1959.
2 - عبدالحميد محمد أحمد: الشعر والمجتمع في السودان - دار الوعي - الخرطوم 1987.
3 - عبده بدوي: الشعر الحديث في السودان - سلسلة عالم المعرفة - الكويت 1981.
4 - محمد إبراهيم الشوش: الشعر الحديث في السودان - جامعة الخرطوم 1962.

استسقاء

أيا رياحَ الخير يا رياحْ
طال علينا شظف العيش وغِلْظة الكفاحْ
واقتنص الموتُ ذرارينا وأهلكِ السراحْ
ونحن من شهورْ
ضامرةٌ أجسادنا كأنها قبورْ
مشتّتون بالعراءْ
مشدودةٌ عيوننا إلى السماءْ
نضجُّ بالنواحْ
ونرفع الدعاءْ
أيا رياحَ الخير يا رياحْ
تجمَّعي بالأفق الغربيِّ في الصباحْ
تحمَّمي بالماءْ
بالغيث مثل حبلى شهرها الأخيرْ
طيري إلينا بجناحْ
عدّي البطاحَ والبطاحْ
قفي لدينا واهدري
تجهَّمي وزمجري
ومثلما «ينفشُّ مغبونٌ» علينا أمطري
على بلادنا اللهثى وعشبنا اليبيسْ
«النال» رافعًا كفيه بالدعاء «والأنيس»
وللحفير فاغرًا أشداقه من الظما
يرنو بكل ذلةٍ إلى السما
قد جفّ طينُ قاعه على هوانْ
كمثل قهوةٍ جفّ على فنجانْ
وفي المكانْ
آثار أقدامٍ كثيرةٍ وشلو قربةٍ وعظمتانْ
لتربةٍ عطشانة شقوقها جراحْ
تنزو بغير دمْ
أبخرةً كأنها حممْ
يجرفها السرابْ
وهي تصيح في ضراعةٍ بألف فمْ
دموعها أحجارْ
ورشْحُها من نارْ
تمدّدت بيدها كوز صفيحْ
وهي تودّ لو تصيحْ
تود لو تمزّق الظهيرةَ الحمراء بالصياحْ
لو لم يكن تحجُّر اللسانْ
وجفّ في أطرافه اللعابْ
كأنه ترابْ
عيونها تصيحْ
صارخةً كأرنبٍ جريحْ
وهي تقول مثلما قلنا بأذن الريحْ
يا غوثُ، يا سحابْ
يا قِرَبَ الرحمة يا خزائن المعروفْ
يا نجدةَ الملهوفْ
جارَ علينا الصيفْ
صبّ على يافوخنا العذابْ
وأنزل القحط علينا ضيفْ
يدبُّ في البلادْ
بأرجل الجرادْ
وهو يذرّ في حلوقنا الرمادْ
والقيظَ والسمومْ
ونحن في العراء ننتظرْ
ننقِّب السماء يا سحابُ عن أثرْ
وعن غلالةٍ سمراءَ من غلائل الغيومْ
وعن نسيمْ
يحمل في «دعاشه» لنا خبرْ
عن المطرْ
نقول يا سحابْ
طال علينا المحْلُ واشتدّ العذابْ
وما لنا سواك بابٌ، ما لنا سواك بابْ
انزلْ على الوديان تملأ «المطاميرَ» الغلالْ
وتصبح الغبراءُ خضراءَ وتورف الظلالْ
ويلمع «التبرُ» على الرمالْ
ويشبع العيالْ
وترتع الحملان في الأعشاب تهدر الجمالْ
وحينما ترزم في اصطخابْ
نسجد شاكرين يا سحابْ

من قصيدة: ليل الفزع والأحزان

الليلُ بحارٌ من أحزانْ
يا أختَ الليل بحارٌ من أحزانْ
لا قاعَ هناك ولا شطآنْ
لا شيءَ سوى جثث الموتى،
لا شيءَ سوى الأعشاب، سوى الملح، سوى بحرٍ يتقيأ بحرًا من
أحزانْ
لا شيءَ سوى الأنواء الضارية الهوجاءِ،
سوى الحيتانْ
لا شيءَ سوى صرخاتٍ مكتومه
وصدى صلواتٍ لم تكمل بَلَعَتْها الدوّاماتُ المشؤومه
ونداءاتٌ ضلَّتْ، ظلت في فلوات الصمت الـمُطْبق ملمومه
تتسرب في أنّات الريح، وفي ليل الأحزانْ
لا شيءَ سوى زبد طافٍ، في شِدق الموج يخشخشُ،
أبيضَ في لون الأكفانْ
وأنا أتعلّق في لوحٍ هريءٍ،
يتخبّط بي،
فاعجبْ لحطامٍ فوق حطامْ
وأنا أتزلَّق في السطح اللزّجِ،
أعبّ الملحَ،
ويغمرني يأسٌ وظلامْ
لا مهربَ فالبحر التابوتْ
لا رحمةَ في أحشاء الحوتْ
يأسٌ وظلامْ
أفكاري تتطاير من حولي مثل الغربانْ
كنوارسَ جائعةٍ سوداءَ تهمُّ بأكل عيوني
كالغربانْ
وخيالاتٍ تتهاوى نحوي منقضَّه
يأسٌ وظلامْ
وذكَرْتكِ في تلك اللحظات السود، فزعت إليكْ
أريد أخبّئ وجهي في كفّيكْ
وأبدّد خوفي بين يديكْ
ودعوتكِ يا أختاه دعوتُ، ومن عجبٍ ينشقُّ البحرْ
انشقَّ البحر، وقفت أمامي فوق الموج كحوريّه
عفوًا بل أجمل من كل بنات الحورْ
وعلى رأسك إكليلٌ من نورْ