عبدالرحيم أبو ذكرى

1410-1363هـ 1989-1943م

سيرة الشاعر:

عبدالرحيم أحمد عبدالرحيم.
ولد في تنقاسي السوق (منطقة دنقلا - شمالي مروى) - وتوفي في موسكو.
عاش في السودان وفي عاصمة روسيا.
التحق بالمدرسة الأولية ثم المدرسة الوسطى بمدينة كوستي، والثانوية بمدرسة خورطقت، أرسل في بعثة للدراسة بالاتحاد السوفييتي فالتحق بجامعة الصداقة في
موسكو. حصل على درجة الماجستير في اللغة الروسية وآدابها، ودبلوم في الترجمة بين الروسية والعربية (1971)، ثم درجة الدكتوراه في فقه اللغة (1987) من أكاديمية
العلوم بموسكو.
عمل سكرتيرًا للتحرير ومشرفًا على مجلة الثقافة (السودانية): 1976 - 1978، وعمل أستاذًا - غير متفرغ - بكلية الآداب - جامعة الخرطوم.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «الرحيل في الليل» - جامعة الخرطوم 1973 (طبعة ثانية - عزة للنشر والتوزيع - الخرطوم 2001).
من شعراء الحداثة في حركة الشعر بالسودان، اتخذ من قصيدة التفعيلة شكلاً ومن الرمزية أسلوبًا لمعالجة قضايا العصر، يعد من شعراء الواقعية (دون مناقضة
لأسلوبه الرمزي) لاهتمامه بمعاناة مجتمعه، ولما يلوّن به مشاهده وصوره فتبدو على جانب من القتامة والقسوة. في قصائده موقف حضاري ورؤية سياسية، ظلت شعرية صافية لم تفسدها الشعارات أو الهتافات.

مصادر الدراسة:
- عون الشريف قاسم: موسوعة القبائل والأنساب في السودان - مطبعة آفروقراف - الخرطوم 1996.

صباحية

أضاء النورُ نافذتي صباح اليومْ
ودفَّقَ ماءَه النوريَّ والبلّور تحت البابْ
فلم يلمح بأروقتي سوى تنهيدةِ الأشواقْ
ويُبْصرني أحدِّق في الشبابيك التي تصحو
لأسمعَ ثرثراتِ الناس حول موائد الإفطارْ
هُنَيهتَها أحسُّ بلذَّةِ الدنيا
تغلغلُ في ضلوعي ثرَّةً حلوه
ومن فرحي
أكاد أعانق البَصَّات والإسفلتْ
وأسبحُ في اخضرارِ شجيرةٍ تنمو
أمامَ البيتْ
وأغرق في ندى عيني فتاةٍ حلوةِ العينينْ

دفء هذا المساء

هل صحيحٌ أنه بعد الشتاءْ
يسقط الدفء السماوات علينا مددا
هذا المساءْ
أبيضًا مؤتلقًا فوق الحديقهْ؟
ووراء الجسر تنهار العواميدُ الوحيدهْ؟
هل صحيحٌ أنه بعد الشبابيكِ
التي نُغْلقها دون الهواءْ
وكأن الشُّهْبَ والأفلاكَ في الموت تنامْ
وكأن العالم المرهَقَ زنزانةُ ثلجْ
تصبح اللحظة تنويرًا ورسمًا وبريقا
هل صحيحٌ أنه سوف يجيء المدُّ
بالرحّالة التَّعْبَى وروّاد البحارْ
وبهم تنهمرُ الراحةُ والنسرين في الأرض الصديقه
هل صحيحٌ، هل صحيحْ
ها أنا أنقل أنواريَ في الليلِ
وأرجو الصيفَ والنجماتِ والدنيا الغريقه
ها أنا أنتظر البعثَ هنا كلَّ مساءْ
هكذا كلَّ مساءْ

الرحيل في الليل

أيها الراحلُ في الليل وحيدا
ضائعًا منفردا
أمسِ زارتني بواكيرُ الخريفْ
غسَلتني بالثلوجْ
وبإشراقِ المروجْ
أيها الراحلُ في الليل وحيدا
حين زارتني بواكيرُ الخريفْ
كان صيفي جامدا
وجبيني باردا
وسكوتي رابضًا فوق البيوت الخشبيّهْ
مُخفيًا حَيْرتَه في الشجرِ
وغروبِ الأنهرِ
وانحسار البَصَرِ
لوَّحتْ لي ساعةً حين انصرفنا
ساعةً حين انصرفنا
ثم عادت لي بواكيرُ الخريفْ
حين عادتْ
وثب الريحُ على أشرعتي المنفعلهْ
سطعتْ شمسُ الفراديسِ على أرْوِقتي المنعزلهْ
ومضتْ تحضنني الشمسُ النديّهْ
والتي ما حضنتني
التي ما عانقتني
في الزمان الأولِ
في الزمانِ الغائبِ المرتحلِ
انتظرْني
فأنا أرحَل في الليل وحيدا
موغِلاً منفردا
في الدهاليزِ القصيّاتِ انتظرني
انتظرني في حفيفِ الأجنحهْ
وسماواتِ الطيور النازحهْ
وقتَ تنهدُّ المداراتُ
وتسودُّ سماءُ البارحه
انتظرني

فتاة في المطر

لما تحوَّلتْ إلى المكانْ
توهَّجَت فجاءةً منائرُ النّيونْ
وخارجَ المقهى توقَّف المطرْ
توقَّفَ الحديثْ
تجمَّد البرّاد في منتصفِ الطريق للأكوابْ
وفي السكونِ فَرْقَعَتْ زجاجةٌ على البلاطْ
فالتفت النادل ثم انسَمرتْ عيونُه
صبّةٌ! اللهُ لي!
الله يحفظُ العيونَ المزهرهْ
الله يحفظ الجدائلَ المنهمره
هذا الجمال والشباب - تبارك الذي خلقْ
وانحدرت في الليل هذه العيونْ
تَشقَّق السكونُ في المكانْ
فاندفع الروّاد تحت الخُصَلِ المسترسِله
واضطجعوا على عبير ثوبها المبتلِّ بالمطرْ
ما هكذا ! ما هكذا!
تكاد تجرح العيونُ رمشها المحُتارْ
وشعرَها الذي أتى ليستريحَ
من بكاء الريح والأمطارْ
فوجِئَ أن الريح هاهنا وهاهنا الأمطارْ
الريح في المقهى تهبُّ من كلِّ اتجاه
يحميك رافعُ السماءِ يا هذا السَّنا التَّيّاه
الله لكْ
هذي العيون عن تحسُّسِ الدفءِ
تكادُ تذهلكْ
وانسحبتْ إلى المطرْ
فانهمرَ السكونْ
دقيقةً
والآنَ عاد للمقهى الضجيجُ والغُبارْ