محمد المهدي بن نصيب

1424-1374هـ 2003-1954م

سيرة الشاعر:

محمد المهدي بن نصيب.
ولد في مدينة دوز (العوينة) التابعة لولاية قبلي (تونس)، وتوفي في بلدة دوز.
عاش في تونس.
تلقى تعليمه الابتدائي بمدينة دوز، وتعليمه الثانوي بمرحلتيه الأولى والثانية بمدينة فايس، غير أنه انقطع عن التعليم، ثم استأنف الدراسة (1987) في معهد خاص بمدينة قبلي، إلا أنه لم يحصل على البكالوريا.
عمل كاتبًا عموميًا، وكان أول من فتح مكتبًا مارس فيه مهنة الكتابة العمومية لزمن يقرب من ثلاثين عامًا.
كان عضو اتحاد الكتاب التونسيين.

الإنتاج الشعري:
- له ديوان «كلمات للحب والوطن» - سلسلة الأخلاء - تونس 1984، وديوان «قصائد ظامئة» - الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم - تونس 2002، وله قصائد نشرتها مجلات عصره، وبخاصة: «الفكر» و«المسار» و«الحياة الثقافية»، وصحف تونس، مثل: «الصباح»، «الشروق»، «الصحافة»، وله مجموعة شعرية (مخطوطة).

الأعمال الأخرى:
- له مجموعة قصصية معدة للطبع، وكتاب نقدي عن التراث الشعري العربي، وعدد من الرسائل المتبادلة مع أعلام عصره (مخطوطة)، وعدد من المقالات الصحفية التي تناول بعضها معارك أدبية.
شاعر مجدد، يتخذ الشعر التفعيلي والسطر الشعري شكلاً لكتابته، مع ولع خاص بتوظيف التراث والاقتباس منه والتناص معه ليبث رسالة ويؤصل موقفًا، كما في قصيدته عن حمدان قرمط، وكذا شغفه بالأساطير الشعبية، ليعبر من خلالها عن تمرده. في شعره عمق فلسفي وميل إلى الرمز، وتعبير عن موقف الشاعر من الكون والحياة، ورؤيته الذاتية الخاصة لهما، كما أن فيه اهتمامًا بقضايا الحياة المعاصرة الاجتماعية والسياسية، والتعبير عن موقفه المتمرد منها.
تقيم المندوبية الجهوية للثقافة بولاية قبلي ملتقى سنويًا يحمل اسمه، تكريمًا لجهوده الثقافية، أقيمت أولى دوراته في مايو 2004.

مصادر الدراسة:
1 - عمر بن سالم: تراجم أعضاء اتحاد الكتاب التونسيين - دار سحر - تونس 1992.
2 - الدوريات:
- جلال الشينبي: رحيل المهدي بن نصيب - الشروق - 17 من فبراير 2003.
- جلول عزونة: شاعر آخر افتقدناه - الملاحظ - 27 من فبراير 2003.
- عبدالله مالك الفاسي: في ذكراك - الأخبار - تونس 19 من فبراير 2003.
- نورالدين بالطيب: من ينقذ محمد المهدي بن نصيب - الشروق - تونس 2001.

نخلة البركات

أُجرجرُ القدمين على جثَّةِ جبلِ الوهمِ
عَثيرُ رمالِ تُخوم الزمان يحاصرُ حلقي
حملتُ حقائبَ محشوَّةً بالأسى
تمازجَ فيها بكائي وشوقي
تحجَّرَ الحبُّ في خافقي
وهدَّمتِ الريحُ مُتحفَ عشقي
وماستْ غصون العذابِ بدهري
فجئتكِ أقذفُ آهةَ صدري
وجئتكِ أعقدُ من خُوصِ قلبِكِ واحدةً
كي أضيفَ لعُمري
وجئتك أشربُ من جَرَّةِ العشق خمرةَ صبري
فيا نخلةَ «البركات»
هل بالتصُّوف يسمحُ دهري؟!!
يا نخلةَ «البركات»
أنا من جلستُ بأروقةِ التِّيهِ أجهلُ أمري
أنا من غرفْتُ من كدَرِ الحُمقِ جَرَّةَ فقري
سَعْفاؤكِ الوجعُ المرُّ يمتصُّ مني عصارةَ جهدي
أجيئكِ في ليل التباريح
على جذعِكِ الصّلبِ أجلسُ وحدي
أجيئك يا نخلة «البركات»
أحملُ فأسي
فافهمي قصْدي!!

الدَّوّاية

أتأشَّرُ بين شعابكِ ظلاً يُدحرجُه الخوفُ فوقَ
حدود مداكْ
تنوءُ به فلواتُ البداوهْ
يلملمُه الليلُ في عُلَبِ الموتِ
يَتفيَّأهُ العوسجُ الشعرُ
«تِينتُك العاقرُ» و«الصخْرُ»
يقسِّمه التعبُ المنهكُ وجهينِ
وجهي الذي يتهجَّى بعينيكِ عرْسًا تمنطقَ بالرعْدِ
تأرجحَ في حبل مِشنقةِ الفلواتْ
ووجهُكِ ذاك الذي غسلَتْهُ
سيولُ الأساطيرِ بالحزنِ
دَوَتْ في فؤادهِ طاحونةُ اللعَناتْ
تدافعَ فوق أديمِهِ نخلُ العذابْ
يا «دوّايةُ» إني حلمتُكِ نوقًا مُعبَّدة
أفردتِ بين فكَّيْ قفارِك تأكل آثارَ أخفافِها
من شدَّةِ الجوع!!!
تشربُ ماءَ السراب!!!
وإني حلمتُكِ يجدعُ عِرْنينَكِ الشِّعرُ
تحترق البسماتُ على شفتيكِ التي سلختْها
سيولُ الجفافِ
وإني حلمتك غصنًا من الوجع الهمجيّ
خبَّأهُ الزمنُ الصاخبُ بحرًا من الحزن دون ضفاف!!
فيا أيها المطرُ الدمويُّ لماذا تأخَّرت؟
وأنت العريسُ وقد حان وقتُ الزّفافْ
سيحتفلُ «الصخرُ» و«التينةُ العاقرُ» بالعرسْ
توشوشُ حبَّةُ الرمل للرَّمل بالهمسْ
- يا «دوّايةُ» مُوصدةٌ في وجوهِ المحبِّينَ
أبوابُ جزيرتكِ القحطُ والنخلُ لا يمنحُ العاشقينَ
تمورَ الوفاءْ
ألملمُ وجهي الذي يتوزَّعُ
بين شعابِك ظلاً من الخوفْ
وألتحفُ الحرفْ
أزرع في فلَواتكِ حبَّ الحياه
فيَعْشوشبُ النورُ من خلال مراياكِ
أصبحُ ظلاً تدحرجُه خلجاتُ الأملْ
وأصبحُ وابلَ الحبِّ يروي الحقولَ المواتْ

عصافير الفرح القادم

سابحونَ ببحرٍ من الشوقِ مثلَ الفراشاتِ
هرَّبَنا الاغترابُ إلى مدنِ الصمتِ في سلَّةِ الخوفِ
وصادرَتِ الكلماتُ الحزينةُ مِنّا الشفاهْ
فيا واحةَ الحب هاتي الذراعيْنِ وافتحي القلبَ
كي نستريحَ قليلا
ونسمعَ في لحَظاتِ التوجُّسِ قولاً جميلا
سابحون بنهرٍ من الشوقِ مثلَ الفراشاتِ
يحترقون على شفةِ الأغنياتِ
يأتونَ من قشرةِ الأرضِ
من قُمقمِ الرَّفْضِ
ويُهدونني العشقَ حين أجاورُ في البيد حُزني
وأشربُ من حانةِ التِّيهِ من خمرة الإحتضارْ
فأُشْرِعُ - في الحرف - نافذةً كي أداعبَ طيفَ النهارْ
وأحضن في واحة الكلمات غصونَ اشتياقي
وطيْفَ رفاقي
فأسكبُ من أكْؤسِ الحبِّ آخرَ القطراتِ المضيئةِ
في سيل شعري
أغنِّيهمُ الخَلَجاتِ المضيئةَ من سيْلِ عمري
فهُمُ - الآن - زخَّةُ ضوءٍ في ظلام الدياجيرِ
تهطلُ فوق مراعي الشعورِ
وفوق تُخوم البكاءْ!!