من قصيدة: الـــعـــــائــــــــــد |
تمشي جنازته الهوينى, |
ثم ترفعها الأكف إلى مكان غامض |
تمشي ويدفعها الدويّ |
يمشي جنوبيون خلف النعش, |
كوفياتهم مصبوغة بجبينه المثلوم.. |
تتبعهم يدا امرأة, |
تشم قميصه |
وتعشِّب الأيام من دمه البهي |
هو الجنوبي الشهيد |
مروض القمح العنيد |
يعود نحو الأرض |
ملفوفا بكيس الرمل والعلم الممزق |
أفسحوا لخُطى علي |
لقوامه الممشوق وهو يشف حتى الموت, |
للوجه المضرَّج بالنعاس الشاعري |
يمشي وتتبعه رياحين |
ويغمر وجهه خفر طري |
|
تمشي جنازته الهوينى |
في جنوب ما |
وقُرب تدفق النيران تستلقي يمامته المريضة, |
لم يعد سرا بأن العمر ولى.. |
والحياة تلألأت مثل النجوم |
على |
شريط |
الذكريات, |
رأى علي نفسه طفلا |
يحوم على بحيرة روحه موج |
لفلاحين منسيين |
أبصر سنديانا قصَّفته الريح |
يركض في الهواء الطلق, |
أصداء استغاثات لأودية يحاصرها الحداد, |
رأى عليا مقبلا |
في الجانب الفحمي |
من تغريبة الدنيا, |
يجرُّ على مدى عينيه بيتا من عتابا |
خلَّعته الريح |
أو بئرا من السنوات مملوءا دما |
وغصون تين |
ورأى محاريثا تخوِّض في ظلام يديه |
يدفعها |
وينهر تحت قرص الشمس ثيران السنين. |
هاهو واقف يتأمل الأمواج |
تأتي ثم تذهب عند خط العمر, |
تصبح طلقة في كف قاتله |
فيسقط كالسؤال |
على جبين الأرض |
تجتمع المدينة حوله |
وترى بأم العين نعناع القرى الغافي |
على خديه, |
فلاح وموجته |
على رمل الحقيقة عارييْن, |
وعند محجره القرى تبكي |
كأرملة, |
إذن متَّ! |
انتهى عصر من الصرخات والضحك البريء, |
آ.. ويـ.. ـها |
سيوفكم محنّـاة بلون الدم |
لم تصدأ |
ولم يهدأ خرير مياهها في الروح |
آ .. ويـ.. ـها |
لماذا لم تجيئوا بالعروس لكي تقبل ثغر فارسها? |
لماذا لم تُسِلْ عسلا على شفتيْ مغنيها? |
لماذا? |
لم يقل أحد بأنِّيَ مت, |
هاكم وردتي البيضاء فوق الصدر |
رجلي اللتين تزلزلان الأرض في الأعراس, |
حنجرتي التي في أوج هذا الصمت |
لم تصمت |
ففيم تحدقون إلي? |
وا أسفي عليّ!! |
كأني مت |
كأني مت! |
|
كنت السواد لناظريّ |
ولم تعد أحدا |
سوى جفن يحدِّق في شقوق الغيم |
ها إن قامتك النحيلةَ .. |
قد براها الضيم |
ها أنت ترحل في دخان الأرض, |
لا امرأة بقربك كي تضمد وردتي عينيك, |
لا كف تنقب عن بياض يديك |
شوك العمر, |
ضاع العمر |
وانهدمت أناشيدي على ثغرك |
ولعبة الدوران حول بيوت قريتك الصغيرة, |
مت معضوضاً بناب البحر, |
حيث حلمت بالذهب المذوّب |
تحت ألسنة المياه. |
كأنه حلم! |
تغادر مع خيوط الفجر صمت الأرض |
تحمل خبزك البلدي في زوادة الروح الفقيره, |
ثم ترجع معْ أذان العصر, |
محمولاً على أكتاف سنبلتين |
من قمح قديم |
|
تمشي جنازته الهوينا |
تحت أعمدة الجنوب وفأسه الدهري, |
يفتح قلبه للشمس والطلقات |
يهوي |
................ |
................ |
آه لو أمي معي لتنوح فوق سوادي النبوي, |
لو كف تلوّح لي من الأعلى لأتبعها |
وأركض باتجاه الأرض, |
لكني أموت مضرجا بالبحر, |
تحملني حقولُ التبغ فوق دموعها الخضـراء ... |